القلوب الخضراء هى قلوبٌ أغلى من الذهب وأثمن، وأبهى من الياقوت وأجمل، وأنقى من الفرات وأعذب.. هى قلوبٌ خلقها الله لتحترف تطبيب جراح الروح وإمتصاص آلام النفس وإهداء الأمل لكل من أوشك على الوقوع فى براثن اليأس.
هى قلوبٌ غذاؤها تخفيف آلام الأخرين والإحساس بمعاناتهم، فى إبتسامتها يبرق الإشراق والتألق.. وفى نظراتها يلمع إلهام المُساندة ومعانى التأييد والتحفيز.. القلوب الخضراء هى منحة إلهية مُهددة بالإنقراض فى عالمٍ سيطرت عليه المادة بقانونها المعدني البارد حتى صارت خُضرة القلب درباً من خيال روايات الأدب أو كائناً خُرافياً نراه بين دفتي الكتب.
حينَ أُقابل قلباً أخضراً أعرفه منذ اللحظة الأولى.. فنظرة واحدة كفيلة بكشف كنز العطاء المخبوء ومخزون الحنان الدفين.. حين يصادفنى أحد هذه القلوب تتوقف الكلمات على الشفاه وأشعر أن هناك هاتفاً يخبرنى أن لهذه القلوب لغة أخرى غير التى نعرفها.. لغة لا تعرف هى غيرها.. وأشعر بجميع أقنعة القوة والثبات والتماسك تتساقط واحدة تلو الأخرى وكأنها تريد إعطاء الفرصة لهذه اليد الحانية لتصل إلى موضع الجرح والألم تطببه وإلى مكمن الضعف والخوف تقويه وتطمئنه، وأشعر أننى رُددت طفلاً صغيراً لا يخجل أن ترى أمه دموعه حين يبثها شكواه بغير كلمات.
القلوب الخضراء لا تنتظر مقابلاً لعطائها .. وحقيقة الأمر أنه ليس لما تقدمه مقابل عادل فى هذه الحياة.. فالجواب عليها لا يكون بالكلام وإنما يكون جزاءها من جنس عملها.. نظرة عمقها عمق الكون إتساعاً ورحابة وملئها ملئ ما فيه إمتناناً وعرفانا.. وعَبرَةٌ تخبر أن القلب قد حَلقَ فى فضاءات الفرحة والسعادة وإمتزج بسحاب الرضا والإكتفاء لتتساقطُ دموع الخضرة والنماء على قلوبٍ أبت إلا أن تكون خضراء مهما أجدبت مشاعر الأخرين وأبت إلا أن تكون معطاءة مهما بخلت أرواح الأخرين.
أيها القلب الأخضر عش كذلك .. ولا تغادر هذه الحياة إلا إلى وطنك الذى منه جئت.. فلا أظنك إلا قلبَ طائرٍ من طيور الجنةِ عاش بيننا حيناً ليجعل حياتنا أكثرَ إنسانيةٍ وسموا.